![]() |
قصة بعنوان (باقٍ في الذاكرة) |
قصة بعنوان (باقٍ في الذاكرة)
كان المناخ سيء للغاية وجالسين مع العائلة مجتمعين على مرقد نار وكنا بانتظار أبي ليرجع من العمل وتبدأ ليلة السمر بيننا لم يكن بين عائلتي شيء يسمى التلفاز أو الأجهزة المحمولة الذكية الغبية هذه التي قد تغير مسار عائلتنا فاجتمعنا في يوم مظلم ممطر لنسمع ما سيروى لنا اليوم من قصة تكون مليئة بالعبر وكنت يومها ازداد اشتياقاً لوالدي فنظرت من النافذة لأرى ما الذي جعل أبي يتأخر هكذا؟ إلى أن اتى ودخل البيت
نبيل (الأب): السلام عليكم
أمل (الأم ) : و عليكم السلام .. لماذا تأخرت هكذا كدنا ان نقلق عليك لم تكن من عادتك التأخر ؟؟
نبيل: لم أستطيع أن أخرج من العمل في مثل هذا الجو انتظرت قليلاً
أمل: الحمد لله على سلامتك
نبيل: الله يسلمك ... أين الأولاد ألم يشتاقوا إلي؟
نور (الابن الأكبر): كيف لم نشتاق إليك ؟! ولقصصك الجميلة المليئة بالمواعظ عن ماذا ستكون القصة اليوم؟
نبيل: اليوم يا أولادي تاريخ مرير عليَ فهو ذكرى استشهاد جدكم سأروي لكم قصة المعاناة التي عاشتها أمي
نور: رحمة الله عليه
ليلى (البنت الأصغر): هل كان والدك قدوة لك يا أبي كما أنت لنا ؟؟
نبيل: نعم بالتأكيد.
أمل ممازحة نبيل: هذا الشبل من ذاك الأسد.
نور: اصبروا جميعاً أريد أن أستمع القصة بعناية قصص علينا القصة يا أبي.
نبيل: حاضر يا نور، في يوم من الأيام دخل أبي البيت كان عصبي بعض الشيء وقتها كنت أبلغ من العمر سبع سنوات
جاءت أمي وجدت أبي بهذه الحالة
إيمان (الجدة): مالك يا إبراهيم؟
إبراهيم (الجد): هذا الاحتلال كالسرطان في بلدي سينتشر إن لم يتم القضاء عليه في أقرب وقت.
إيمان: ماذا فعلوا ؟؟
إبراهيم: قاموا بدهس اثنين من التلاميذ وهم ذاهبون إلى المدرسة حينها قال: يا نبيل يا نبيل.
أتى نبيل مسرعاً.
قال إبراهيم: اجلس، سأوصيك.
نبيل: أوصني.
إبراهيم: كن رجل ولا تهاب من شيء ما دام أنت على حق.
كان هذا أخر شيء قاله لي والدي بعدها سمعنا المآذن تنادي جميع البلدة للخروج لوقفة احتجاجية لهذا الحدث ولم يتأخر أبي قط بل كان بالصفوف الأولى وهنا بدأت النزاعات بينهم وبين الجنود وكان أبي شهيد هذه الوقفة الذي قنص برصاصة غدر في رأسه كان الخبر صعب على أمي ولكن قالت لي.
إيمان: يا نبيل، حين توفى رسول الله قال الصديق أبو بكر -رضي الله عنه -" ألا من كان يعبد محمدًا، فإنّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت " يا بني لا تقلق إن الله لا ينسانا وتذكر دائماً ما قاله أبوك لك.
من هنا بدأت معاناة أمي وخرجت للعمل لتوفير لقمة عيش كريمة ورفضت من الزواج بعد أبي خوفاً أن اُشرد رغم أنها كانت صغيرة في عمرها وكانت تشقى طوال النهار من عمل وطبخ وأعمال بيت وتدريسي وملاحظتي وتبقى معظم الليل تصلي وتدعي لأبي ولفلسطين وبدأت أنا أكبر وأفهم أنَ أبي لم يستشهد من أجل أن يسمى شهيداً أو ينضم الى صفوف الشهداء بل أن الشهيد في وطني رمز كان يسبب لهم القلق في كل ثانية من عمرهم وفي يوم أصبح عمري خمسة عشر عام كنت جالس مع والدتي راودني سؤال دون أن أفكر به سألته.
نبيل: أمي، لماذا لم تتزوجين بعد أبي؟
إيمان: كيف أكون امرأة لرجلين ؟؟
نبيل: رجلين !! كيف ؟! رجلين أبي استشهد ولم يبقى حي
إيمان: ألم تسمع يا نبيل قول الله تعالى في كتابه بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم لله الرحمن الرحيم [وَلَا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ] فكيف مات وهو عند ربك يرزق ؟؟
نبيل: أنا فخور بكِ يا أمي.
إيمان: وأنا أيضا فخورة بك ولو كان هناك في حياتي رجل فما قدرت أن أهتم بك هكذا فلا تقلق أنا بخير
يا بني كنا في زمننا نشهد استشهاد كثير وكان هذا أمر طبيعي لدينا وكانت والدتي تقول لي عما قالته لها
والدتها "أن الام أفضل من الرجال في رعاية أبناءها بعد استشهاد زوجها " لهذا قررت أكون حورية لوالدك بالجنة
نبيل يقول في ذهنه: هذه الجملة رغم غرابتها وتداولها عبر الأجيال اَلا أنها تحمل معنى عظيم فكم من أم تحملت فراق
زوجها وقبلت أن تعيش بقية حياتها خدمة لطفلها.
نور: ما هذه العظمة يا أبي ؟، كان زمانكم مليء بالانتصارات والبطولات.
نبيل: نعم يا نور، لم يكن هذا في زماننا فقط بل سيمر عبر ازمان كثيرة حتى تحرر فلسطين.
ليلى والدموع في عينيها: هل ستتركنا يا أبي ؟؟
نبيل: هذا في القدر يا ليلى ولا تخافي يوماً وتذكري أن الله معك لن يتركك وأن لم يكن لي شرف الشهادة فيمكن أن يكون لزوجك فقد قلتها لأمك في يوم من الأيام وسأوصيكِ بها أيضاً.
"كانت الام افضل من الرجل في رعاية ابناءها بعد استشهاد زوجها"